لكلّ عملة معدّل فائدة خاصّ بها. يعتبر ذلك تقريبًا بمثابة مقياس لقوّة ذلك الاقتصاد أو ضعفه. وإذ تميل اقتصادات البلدان للازدهار مع الوقت، تميل الأسعار الى الارتفاع بسبب تنامي قدرة المستهلكين على إنفاق قدر أكبر من مداخيلهم. كلّما كسبنا المزيد من المال، كلّما زادت أعطالنا وأصبحا قادرين أكثر على استهلاك كمّيات أكبر من السلع والخدمات. بتعبير آخر، يستهدف المزيد من الدولارات القدر نفسه تقريبًا من السلع، ما يؤدّي الى زيادة أسعارها. في هذا الصدد، يعرف ارتفاع الأسعار "بالتضخّم" وترصده المصارف المركزية عن كثب. في حال تمّ السماح بتزايد التضخّم، ستخسر أموالنا قدرتها الشرائية، ومن المحتمل أن تتزايد أسعار السلع العاديّة كالخبز على سبيل المثال لتطأ يومًا ما مستويات غير معقولة تناهز لربّما ال100 دولار للرغيف الواحد. يبدو هذا السيناريو غير واقعي ومن نسج الخيال ولكن هذا بالتحديد ما يحصل في البلدان ذات معدّلات التضخّم المرتفعة للغاية كزيمبابوي مثلاً. ومن أجل وضع حدّ لهذا الخطر قبل بروزه، يتدخّل المصرف المركزي ويرفع معدّلات الفائدة بغية تقويض الضغوطات التضخّمية قبل أن تصبح خارجة عن السيطرة. عندما يبدأ التضخّم، يصبح من الصعب للغاية إيقافه. علاوة على ذلك، تجعل معدّلات الفائدة الأعلى الأموال المقترضة أكثر تكلفة، الأمر الذي يبعد المستهلكين عن شراء منازل جديدة واستخدام بطاقات الائتمان وتحمّل أي ديون إضافية. كما تثبط الأموال الأكثر تكلفة عزيمة الشركات على التوسّع، بما أنّ الكثير منها تعتمد على الائتمان الذي يخضع بدوره للفوائد. فعلى الأرجح، ستتريّث وسط تباطؤ الاقتصادات الى حين استهلال المصرف المركزي من جديد عملية تخفيض معدّلات الفائدة، ما يشجّع هذه المرّة النمو الاقتصادي والتوسّع-وهكذا تستمرّ الدورة. يحرص بنك الاحتياطي الفدرالي في كلّ اجتماع لمجلس الاحتياطي الفدرالي على تعزيز النمو مع إبقاء التضخّم عند مستويات متدنّية في الوقت عينه. كما تقوم غيره من المصارف المركزية بالمثل في اجتماعاتها العاديّة.
ومن خلال زيادة معدّلات الفائدة، يستطيع البلد زيادة رغبة المستثمرين الأجانب بالاستثمار في هذا البلد. يتطابق هذا المنطق مع ذلك الكامن وراء أي استثمار: يبحث المستثمر عن أعلى عائدات محتملة. وعبر زيادة معدّلات الفائدة، تتزايد العائدات التي يحصل عليها أولئك الذين يستثمرون في ذلك البلد. نتيجة لذلك، تتنامى الطلبات على تلك العملة بما انّ المستثمرين يستثمرون أموالهم حيث معدّلات الفائدة المرتفعة. إنّ البلدان التي توفر عائدات أعلى على الاستثمارات من خلال معدّلات الفائدة المرتفعة والنمو الاقتصادي والنمو في الأسواق المالية المحلّية تميل الى استقطاب معظم رؤوس الأموال الأجنبية. إذا كانت سوق الأسهم في بلد ما تبلي بلاءًا حسنًا وتوفر معدّلات فائدة مرتفعة، من المرجّح أن يرسل المستثمرون الأجانب رؤوس أموالهم الى تلك البلاد. يساهم ذلك في زيادة الطلبات على عملة تلك البلاد، لترتفع بذلك قيمتها.
الأموال ستتعقّب دائمًا العائدات. في حال عمد بلد ما الى رفع معدّل الفائدة، سيتزايد عندها الاهتمام الدولي العامّ بتلك العملة. مؤخّرًا، عمد بنك الاحتياطي الأسترالي الى زيادة معدّل الفائدة على الدولار الأسترالي بمقدار 25 نقطة أساسية وصولاً الى 3.25%. فقد بات الدولار الأسترالي قويًا مقابل العملات الأخرى ويتطلّع الى التحصّن بقوّة أكبر. ونتيجة لذلك، عكست الأزواج كالأسترالي/دولار والأسترالي/ين والاسترليني/أسترالي هذه القوّة. في المقابل، في حال لجأ المصرف المركزي في بلد ما الى تخفيض معدّل الفائدة، سنلحظ ابتعاد رؤوس الأموال عن هذه العملة المعيّنة.
من مميّزات المصارف المركزية:
- بإمكانها الوصول الى احتياطات كبيرة من رؤوس الأموال
- لديها أهداف اقتصادية محدّدة
- تحدّد المعروض النقدي ومعدّلات الفائدة
- تحدّد معدّلات إقراض اللّيلة الواحدة من أجل تغيير معدّل الفائدة المدفوع على عملتها المحلّية
- تشتري وتبيع سندات الخزانة الحكومية من أجل زيادة المعروض النقدي أو تخفيضه
- تشتري وتبيع أحيانًا عملتها المحلّية في السوق المفتوحة من أجل التأثير على معدّلات الفائدة
بشكل واضح، من المحتمل أن تتمتّع معدّلات الفائدة والتغييرات التي تطرأ عليها بتأثيرات قويّة على تدفقات الأموال التي تختبرها بلاد ما.
لنلقٍ نظرة سريعة على مفهوم تدفقات رؤوس الأموال وبعض الفوارق بين تدفقات الأموال الإيجابية والسلبية.
كما ناقشنا في الدرس السابق، تمثّل تدفقات رؤوس الأموال المرسلة من الخارج بهدف الاستثمار في أسواق بلد ما. بإمكان هذه التدفقات التأثير بشكل كبير على أسعار عملة تلك البلاد، بما أنّ تدفقات رؤوس الأموال الإيجابية تظهر الطلبات على الاستثمار بعملة البلاد، بينما تظهر تلك السلبية ضعف الطلبات مقارنة بالعروض المتوافره
وإذ قد تساروك الشكوك استنادًا الى أهمّية هذا الموضوع، يتمّ رصد عن كثب النقاشات التي تقوم بها المصارف المركزية حول التغييرات المحتملة التي قد تطال معدّلات الفائدة وتؤثّر بدورها على تحرّكات أزواج العملة المعنيّة. من الواضح، أنّ أي تغيير يطرأ على معدّل الفائدة الحالي يلقى اهتمامًا كبيرًا على الصعيد الاقتصادي الدولي ومن المرجّح أن يؤدّي الى تغيير اتّجاهات العملات.
تشمل المصارف المركزية التي تتّبع هذا النهج بنك كندا وبنك انجلترا وبنك اليابان، الى جانب البنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفدرالي والبنك الوطني السويسري، فضلاً عن بنك الاحتياطي الأسترالي وبنك الاحتياطي النيوزيلندي.
تجتمع المصارف الفردية على أساس منتظم ودائم، كلّ أربعة أو ستّة أسابيع، بحسب المصرف.